ثلاثة أيام وهي جالسه في حضن الكرسي الكبير,جثه هامده وعينان ثقيلتان متورمتان,أنفاس تتردد ببطء أحيانا,وبسرعهأحيانا اخرى,تقاوم الحزن المعشش داخلها,الدموع التي تتسارع في الانحدار على خديها .. أفكارها مشتتة تكاد تقتلها,وأمها المتهالكة تتماسك في خطواتها وهي رائحه آتيه ما بين المطبخ وبينها-أي معده تتقبل الطعام ,وأي مذاق يطيب,وزوج مريض فوق فراشه في انتضار نهايته .. قال الطبيب انه على حافه بين الموت وبين الحياه ولا نفر من اسـتقبال النهايهمهما طال الوقت
خمسه عشر عاما من زواج غير معلن,بين جدران هذه الشقه التي لا تضم أحدا غيرها وأمها العجوز .. وذللك الحب الكبير الذي جمعها بالزوج العزيز في يوم ال تنساه .. فهو زوج لامرأة أخرى لا تهتم سوى بزينتها وبعثره المال وشراء الذهب واستبدال السيارات .. والسهر فب الحفلات حتى نهايات الليالي .. وهو قد حاول سنين طويلة أن يروضها كي تفيق لتربيه أولاده .. ولما عذبه المستحيل التقى بها ذات يوم,وأحبها وأحبته وتزوجا .. عوضته عن زوجته,وحولت عذابه إلى سعاده وفرح واحتضنته بكل دفء والاخلاص والوفاء
كان يأتيها بلنهار بلنهار يجمعهما الحب عده ساعات رائعه .. لا تخرج معه إلى الشارع .. ولا تسهر .. ولا ترى الدنيا إلا من خلال عينيه والسهر في انتضاره كل نهار .. لم تقلق,ولم تتبرم,كانت تستقبل هذا الحران بكل صبر وبكل حب. وكانت الام العجوز هي الملاذ وهي القاضي وهي الحنان والرعايه الكامله .. عندما بدأ المرض يتسلل إلى جسده النحيف لم يجد اهدأ وارحم من بيتها .. لم يستطيع ان يقول لزوجته الاولى ولأولاده وفضل ان يموت بين يديها الحانيتين .. وهي تريد ان تعلن لزوجته ولأولاده.. ولكن كيف وقد مضى على زواجهما غير المعلنخمسه عشر عاما كامله .. كيف بعد هذه السنين تهدم مابناه .. وتعلن ماأخفاه .. عذبتها الحيره .. في تدفع ايجار الشقه وتاكل هي وأمها وتلبسان من ماله كزوج لها مسؤول عنها .. ماذا يحدث الان لو مات .. لقد كبرت على الخروج للبحث عن العمل ولم تحسب حساب هذا اليوم الذي أتى فجأه يحتل نهاية حبهما .. ويخطف منهما الحبيب الغالي .. كانت تحلم بأن يأتيها ولو مرة واحده ليلا لتعرف معنى الليل بين سواعد رجلها .. ان الساعات التى كان يسرقها من يوم عمله كانت قليله .. انها بلنسبه لها كل شيء .. لكن الليل للمرأه العاشقه لزوجها له طعم آخر .. لقد كانت تتذوق مراره العذاب عندما يأخذ العمل بعض ايامه كامله ويحرمها من كلماته .. ونضراته وفنجان الشاي او القهوه, او قراءة الصحف على مسامعه وهو يدخن ويحتضنها بعينيه وأحاسيسه .. انه يموت الآن وهو يسحب منها مستقبلها وأيامها القادمه .. فهي لم تزل بعد صغيرة ..انه يكبرها كثيرا .. كانت تحس فيه بلأبوة والحنان لأن والدها مات وهي صغيرة .. وكانت تحس فيه بلزوج الذي لم يبخليوما بشيء .. لكن ها هي اللحظات الفاصله تهب كالريح العاتيه لتخطفه من بين سواعدها .. وصدرها .. وعينيها .. وحناياها .. أفاقت من حيرتها .. وهبت من مقعدها .. قفزت إلى غرفة النوم عندما اخترقت أذنيها صرخة الأم العجوز .. ألق بجسدها كله فوق جسده .. أخذت تهزه .. تصيح فيه ..تصرخ .. تولول ..لكنه كان قد انتهى .. حاولت أمها أن تفصلها عنه لكنها لم تفلح .. تركتهما وخرجت من الغرفه إلى الصالة .. وأخذت تدور حول نفسها تخبط كفا بكف , لا تعرف ماذا تفعل .. وظل الحال هكذا ساعات ثقيله حتى أتى الليل .. ذللك الليل الذي تمنت فيه ابنتها أن ياتي زوجها بين أحضانها .. ها هو قد اتى متاخرا .. وجمعهما معا لأول مرة منذ خمسه عشر عاما من الانتضار!! دق جرس الباب .. فتحت الام .. اندفعت إلى الداخل امرأه أنيقه تسبقها رائحه عطرها النفاذ تقول
اين هو ؟
تسألها الأم في أسى ودهشة
من أنت ؟
صرخت فيها المرأه وهي تبحث بين الغرف
-أنا زوجته .. لا تضني أني لا أعرف .. إني أعرف منذ زواجكما .. ولكنه لم يتأخر يوما واحد .. هل استقر به المقام هنا
كانت قد وصلت إلى غرفة النوم فاندفعت ثائره متنمرة والأم خلفها لتجدا جثتين هامدتين متعانقتين .. ألقت الأم بنفسـها فوق ابنتها ,ولما وجدتها قد فارقت الدنيا لتصحب زوجها في رحلته الأخيرة .. انهارت فوق السجادة وأخذت تولول وتولول وتولول
يا أمة ضحكت من جهلها الأمم